الأمل هو أغلى ما أملك شعار أطلقته هند على حياتها بكل ما تحمله من مرارة وألم، حالها حال الكثير من النساء المعنفات، نظراتها تدل على مدى انعزالها عن العالم الخارجي على الرغم من قدرتها التي تساعدها في تكوين مستقبل أفضل لها...
فاستجمعت قواها وقبل أن تتلفظ بكلمة أخذت نفسا عميقا ثم روت تفاصيل محنتها فقالت: تزوجت قسرا أو كما أسميه «اغتصبت بالقوة» من رجل لا أريده ولم أكنّ له يوما أي شعور، ولم تنته المسألة هنا فبعد شهرين من زواجنا تزوج علي، فتساءلت بيني وبين نفسي لماذا؟ هل هي أصغر سناً مني أم أنها تفوقني جمالا أم...؟.
سأخبركم لماذا لأكون جارية له ولزوجته التي تلقي علي الأوامر من الصباح وحتى المساء وان رفضت لها طلبا فعقوبتي لا تقل عن الضرب منها ومن زوجها سيد البيت الذي تخبره مساء عند عودته بأنني مقصرة في عملي ولا ألبي لها ما تطلبه مني، فينهال علي ضربا حتى يشوهني ولا يكتفي بذلك بل يكويني بسيخ بعد أن يحميه على النار ليلطخ به جسدي.
يداً بيد
على خلاف هند كانت حياة «منتهى» المتزوجة من رجل يكن لها كل مودة واحترام وتقدير لها كإنسانة أولا وكأم ثانيا يتقاسم معها كل هموم الحياة ومشاكلها ولايسمعها كلاماً نابياً ولا يقلل من احترامها، يده على يدها في كل شيء حتى في تربية أولادهم الأربعة /حسب تعبير منتهى/
بينما سعاد لم يكن حالها أفضل حالاً من هند، فقد تزوجت من رجل لا يعمل، ولديها منه ولدان وبنت، وبيتها بالإيجار ويدفع أجرته أهل زوجها بعد تهديد صاحب البيت بوجوب تركهم البيت وخروجهم منه إن لم يدفعوا أجرته، والبيت لا يحوي على أثاث باستثناء حصيرة تفترشها ليجلسوا عليها صيفا شتاء، وبراد مازالت أقساطه ديناً في ذمتهم.. حياتها مأسوية من نهارها إلى مسائها فهي تقضي نهارها في التسول مع ابنها الكبير الذي ترك المدرسة تلبية لرغبة والده في الأسواق وبين الحارات كذلك قرب الجوامع لتحصل على ما يسد رمق عائلتها «ليس فقط أولادها إنما زوجها أيضا الذي ينتظرها في البيت وحده بعد أن رفض أن يبقى أولاده معه إنما وضعتهم أمهم عند الجيران، ينتظرها.. لعلها تطعمه ثم تزوده بالنقود الباقية لديها «هذا إن بقي لديها نقود» ليشتري بها المخدرات ويذهب ليسهر مع أصحابه الذين ينتظرونه كل يوم لتكون ضيافتهم عليه من مال زوجته طبعا والتي إن لم تعد بالمال الكافي تأكل نصيبها من الضرب المبرح وحتى الحبس في غرفة حتى تتعلم في المرة الثانية ألا تأتي للبيت إلا ومعها المبلغ الذي يحتاجه.. وفي هذا الوقت الذي تتلقى فيه سعاد الضرب ينهال الابن الأكبر ليقبل رجلي والده طالبا منه ألا يضرب أمه ثانية، فينال نصيبه هو الآخر من الضرب والحبس مع أمه.. وتتساءل« سعاد» لماذا هكذا تظلم النساء ولا تجد رجلا يساعدها ويتحمل معها أعباء الحياة؟
مآسٍ
هذه عينة من مآسي آلاف النساء ضحايا العنف الأسري اللواتي يحلمن بالخلاص من قسوة العنف وظلم المجتمع لهن. ورغم أن للعنف درجات لكن ما من عنف أدهى وأمر من العنف ضد النساء خاصة عندما يصل إلى حد أن يطردن من بيوتهن، وكان من الممكن أن يقتلن ببساطة لأسباب تتعلق بالشرف والإرث أو يُستغللن من قبل البعض لسلوك الأفعال الشائنة فيجدن في الجمعيات النسوية مكانا آمنا وبيتا دافئا يقيهن من مغبة الانزلاق في المزيد من العنف، لأن الشارع سيكون الملجأ الوحيد لآلاف النساء ضحايا العنف الأسري.
مأوى
فهذا الوضع المزري الذي وصلت إليه المرأة في المدن والأرياف وحاجات المرأة من الدعم وتطوير نظرة المجتمع لها أدت لوجود مأوى للنساء المعنفات، والتي هي عبارة عن مراكز تقدم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي والتأهيل المهني لإعطاء المرأة الأمان لتستطيع أن تبدأ حياتها من جديد وبقوة، وعلى سبيل المثال يوجد مشروع واحة الأمل في منطقة باب مصلى في دمشق وهو أول مركز رسمي لحماية ضحايا العنف من النساء، وتشرف عليه الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة التي تعمل منذ تأسيسها في عام 2004 وحتى الآن على نشر وتعزيز الوعي العام، فيما يتعلق بدور المرأة وزيادة مشاركتها الفاعلة في المجتمع وفي عملية التنمية، إضافة إلى تجربتها الواسعة في معهد التربية الاجتماعية للفتيات في دمشق.
المعنفات من ريف دمشق وحلب
السيدة رانيا الجابري رئيسة جمعية تطوير دور المرأة قالت: بدأت الجمعية عملها بأبحاث ودراسات وندوات ومحاضرات، ثم انتقلنا للعمل على أرض الواقع لاسيما أننا نشرف على معهد التربية للفتيات، فطلبنا من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إعطاءنا مكاناً مناسبا في البناء ليكون ملجأ للنساء المعنفات، كما طلبنا من السفارة اليابانية منحة لترميم المكان فوافقت، ويمكن اعتبار هذا المكان الأول في سورية، من حيث النوعية والمساحة والتشاركية مع الوزارة وبحمايتها وهو ما يعطيه صبغة حكومية إضافة لتقبل المجتمع له. وأشارت إلى أن أغلب الحالات تأتي من ريف دمشق وحلب، كما توجد حالات عنف مخفية لانعلم بها نتيجة العادات والتقاليد،سواء كان عنفاً لفظياً أو جسدياً أو جنسياً، إضافة إلى العنف الذي يقع داخل العمل فتصمت السيدة حتى لا تجبر على ترك العمل.
نساعد السيدة علاجيا ومهنيا
وأضافت :نحن في الدار نحول السيدة إلى اختصاصية لتدرس حالتها وتقرر إن كانت تحتاج لطبيب نفسي وكم عدد الجلسات التي تحتاجها، كما تعمل الاختصاصية مع السيدة وزوجها كل على حدة لتحسين وضعهما وقد انصلح حال كثير من الأزواج، أما السيدة التي تبقى في الدار وتتحسن حالتها النفسية فنساعدها لتتأهل مهنيا فنعلمها مهنة بسيطة (دورات حلاقة، ماكياج، خياطة..) وذلك بالتشابك مع الاتحاد النسائي، حيث نرسل السيدات ليتعلمن في الاتحاد بمبالغ رمزية ومن ترغب بإكمال تعليمها من السيدات نساعدها وهذا يتم ضمن الدار وبالتشارك أيضا مع عدة جهات (اتحاد نسائي، مستشفيات..) وجميعها بأسعار رمزية.
تشبيك
وحول القدرة الاستيعابية للدار قالت السيدة الجابري:دار الإيواء يتسع لثلاثين سيدة، وفي الدار ثلاثون سريراً، ونستقبل المرأة مع أطفالها وأكثر المرات استقبلتا سيدات كان العدد من 18-20 سيدة و(8)أطفال فكان (28)شخصا بمكان واحد ما سبب ضغطا كبيراً.
وأشارت إلى أن التجربة لم تثمر بشكل كامل إنما هي خطوة وأثمرت بأشياء أخرى مثل التشبيك مع أعضاء مجلس الشعب وكافة الجمعيات المهتمة بقضايا المرأة لرفع سن الحضانة وتحسين قانون الأحوال الشخصية وتشديد عقوبة جرائم الشرف وتعديل سن الزواج وللحد من زواج القاصرات.. وتحسينها لصالح السيدات وقد تعدلت عقوبات جرائم الشرف مرتين وأصبحت جريمة من الدرجة الأولى.
وأضافت: نجاح الدار يكمن في وجود فريق من المحامين كمتبرعين ومتطوعين، حيث يعملون على القضايا المعلقة للسيدات ويدافعون عنها.
صعوبة إقناع المجتمع
وفيما يتعلق بالصعوبات أكدت السيدة /الجابري/ أن الصعوبة هي في إقناع المجتمع بوجود جهات تعمل لحماية المرأة من العنف، وأن هذه الجمعية بحاجة لتمويل مادي «سوري»، فالتمويل المادي ليس مسألة سهلة ولاسيما أن المجموعة التي تساعدنا بسيطة، ولا يمكن التغلب على هذه الصعوبة بين ليلة وضحاها خاصة في مجتمعنا، فالعادات والتقاليد تغلب على أي شيء آخر، ويجب أن تكون هناك تكاملية بين الجمعيات للنهوض بالمجتمع.
مقدرتنا بسيطة
وعن الخطط المستقبلية للجمعية لتطوير عملها قالت الجابري:نأمل أن نجد مكانا يتسع لعدد كبير من السيدات اللواتي ليس لديهن معيل مادي أو أهل لتشغيلهن ومساعدتهن على التمكين الاقتصادي بشكل دائم وبذلك ننقذهن من البطالة، ونحن كجمعية لا يمكن أن نصبح مشروعا وطنيا لأن مقدرتنا بسيطة، فهذا يتم مع وزارات الدولة وهيئة شؤون الأسرة ونحن جزء صغير منهم.
وأضافت: نستطيع أن نؤسس وحدات حماية ضد العنف ولاسيما أن الشرطة النسائية لدينا مدربة بشكل جيد وتستطيع حماية النساء.. إذاً نحن نؤيد وجود وحدات لحماية المرأة وبخط هاتفي معلن عنه مثل خطوط الشرطة والإسعاف، لكن لهذا الأمر علاقة بمنظومة الدولة بينما نحن كجمعية لا نستطيع، لأننا معرضون لحدوث إشكاليات مثل مداهمة رجل «السيدة الموجودة لدينا في الدار» واعتراضه علينا كأعضاء مجلس إدارة وكمركز فيهدد الاختصاصية ويحاول الدخول للدار فنطلب حماية من الشرطة فورا.
خط الثقة.. مساعد ومرشد
البوح أول الطريق لاكتشاف مكامن الألم.. انه النقطة الأولى التي تنطلق منها أحرف وأسطر ترصد الحقيقة وتعبر عنها مجرد أربعة أرقام فقط للوصول إلى منفذ يساعدك.. انه بالمختصر هاتف الثقة الذي تحدثنا عنه ماري كلود نداف- رئيسة دير راهبات الراعي الصالح فقالت: أنا راهبة أخدم في هذا البيت وعملي من صميم كياني لخدمة الإنسان، لانستقبل السيدة في الدار إلا عندما تكون في حالة خطر شديدة، وإضافة لدار الإيواء لدينا خط الثقة شعاره «الصمت لن يحل المشكلة» لست وحدك نحن معك... لأجلك لأمانك... نسمعك... نصدقك... نتفهمك فهو خط مساعد يقدم مساعدات نفسية واجتماعية وإرشادات قانونية بشكل سري وبطريقة مدربة وممنهجة.. ولاسيما أن السيدة المعنفة بحاجة لمنصت جيد حتى تستطيع البوح وهذه هي بداية حل المشكلة.
وأضافت نداف: يمكن للمرأة أن تتصل على الرقم /9219/ هذا الرقم يقوم على مبدأ الاتصال من قبل السيدة والتي تعاني من مشكلة ما ليتلقى الاتصالات فريق عمل مدرب على الإصغاء لضحايا العنف ثم تحويل السيدة إلى الاختصاصية المناسبة (النفسية أو الاجتماعية أو القانونية) وبالتالي يعود تقدير الحالة إلى الفريق الذي يتقلى المكالمة، وأوقات العمل من العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء، والعطلة الأسبوعية يومي الجمعة والأحد.
الراحة الجسدية والنفسية
والتأهيل المهني
وحول الجمعية ونشاطها قالت:فتحنا دار إيواء للنساء ضحايا العنف الأسري، وهذا الدار هو مكان آمن للراحة الجسدية والنفسية للسيدة من خلال نظام داخلي في البيت يؤمن لها كل ما تحتاجه من ملبس ومأكل، كما أن هناك مرافقة إنسانية ومرافقة قانونية ومرافقة اجتماعية لتستعيد السيدة قواها وتلملم جراحها وأن تدرك أين أخطأت لبنيان ذاتها وتأهيلها، وكل سيدة يعرض عليها برامج تأهيل حسب قدراتها وإمكاناتها (جامعية، تعليم أساسي، أمية)...
وأضافت: دربنا فريقنا وكوادرنا ليكتسبوا مهنية في العمل لنعطي (95)درجة من الحماية لكل سيدة وهذا واجبنا، ولتدرك المرأة ليس فقط حقوقها إنما أيضا الواجبات المترتبة عليها، فعليها أن تدرك طريقة الاهتمام بالأطفال وطريقة العناية بالجسم حتى يصبح لديها وعي بمتطلبات الحياة الزوجية.
وتتسع الدار كحد أقصى ما بين (17-20)سيدة، ونحن نستقبل في الدار السيدات اللواتي تتجاوز أعمارهن الثامنة عشرة ممن تعرضن لظروف اجتماعية قاهرة، الأمر الذي يساعد على إنقاذهن من الضياع والتشرد وتأهيلهن معنويا واقتصاديا لإعادة دمجهن في المجتمع وليتمكن من إعالة أنفسهن وربما مساعدة غيرهن من النساء، وفي حالات استثنائية وقصوى نستقبل فتيات قصر لحل المشكلة بوقتها من خلال الاتصال بالشرطة أو أهلهم.
الصعوبة مع الأزمة النفسية
وأشارت نداف إلى أن الصعوبة تكمن مع السيدة التي لديها أزمة نفسية، حيث تخضع لمعالج نفسي كل ثلاثة أيام، ونتغلب على هذه الصعوبة بالصبر والمحبة والصلاة.. ولتطوير عملنا ننفذ حالياً تقييماً ذاتياً للارتقاء بعملنا ولتفادي الصعوبات التي تعترضنا.. وأنا أعتبر أن تجربتي أثمرت لأنني عندما أحمي نفساً واحدة تساوي العالم كله، لكن المقياس الحقيقي هو الاستمرارية والانتشار والتجاوب من قبل مختلف فئات المجتمع.
نخطط فقط
وحول إمكانية تأسيس وحدات حماية ضد العنف قالت نداف: نعم قادرون والآن تضع الدولة استراتيجية لمكافحة العنف ضد النساء، إذاً هي سياسة دولة ومجتمع أهلي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويجب التكافل والتعاون لتحقيق ما نصبو إليه بالتنفيذ لا بالتخطيط فقط، فعلى سبيل المثال ومنذ خمس أو ست سنوات وضعت الهيئة السورية لشؤون الأسرة الخطة الوطنية لمكافحة العنف ضد الأطفال وكانت الدولة السورية أول دولة تضع خطة كهذه لكن للأسف لم تنفذ، إذاً علينا أن ننفذ لا أن نخطط فقط..
دار إيواء صغير في كل محافظة
وفي الختام نقول ان ظاهرة «العنف ضد المرأة» أخذت تتفاقم مع تزايد الفقر والبطالة وعدم إيلاء هذه الظاهرة الاهتمام الذي يجب أن ترقى إليه لن نقول للقضاء عليها نهائيا إنما.. الحد منها قدر الإمكان، وعلى الرغم من اهتمام جمعيات أهلية في حماية النساء المعنفات ما زلنا نفتقر إلى وحدات حماية في كل محافظة لاستقبال النساء وتأهيلهن معنويا واقتصاديا وإعادة دمجهن في المجتمع وتحقيق الحياة اللائقة الكريمة لهن انطلاقا من حقيقة «أن المرأة نصف المجتمع».